The Cultural & Scientific Association
The Cultural & Scientific Association
نظّمت ندوة الثقافة والعلوم في دبي معرضًا فنيًا وجلسة حوارية بعنوان “الكاريكاتير في الصحف ووسائل التواصل”، جمعت بين البعد البصري والحوار الثقافي، بمشاركة الدكتور علي القحيص والفنان خالد جلل، وأدار النقاش الكاتب علي العبدان، في أمسية استثنائية سلّطت الضوء على أحد أبرز الفنون التعبيرية وأكثرها ملامسة للواقع.
وافتتح المعرض سعادة بلال البدور، رئيس مجلس إدارة الندوة، بحضور علي عبيد الهاملي، نائب رئيس المجلس، والدكتور صلاح القاسم، المدير الإداري، وجمال الخياط، عضو مجلس الإدارة، إلى جانب فضيلة المعيني، رئيسة جمعية الصحفيين الإماراتيين، والفنانة الدكتورة نجاة مكي، والإعلامية حليمة الملا، والروائية فتحية النمر، وثلة من المهتمين والنقاد.
ضمّ المعرض 140 عملًا كاريكاتيريًا، بواقع 70 عملًا لكل من الدكتور علي القحيص والفنان خالد جلل، قدّمت ولوحات نقدية ساخرة تتناول قضايا اجتماعية وسلوكية وإعلامية، مع تركيز خاص على انعكاسات وسائل التواصل الاجتماعي وتحولاتها المعاصرة.
واستعرض علي العبدان تاريخ الكاريكاتير في الإمارات، مؤكدًا أن دبي كانت الرحم الأول لهذا الفن في الدولة، حيث أنجبت رسامين روادًا أمثال حسن شريف، حسين شريف، عامر الهاشمي، محمد أمين غياث، وغالب المري، كما احتضنت أول معرض شخصي لفن الكاريكاتير في المكتبة العامة بدبي عام 1976 للفنان الراحل حسن شريف، ما يجعل من دبي حاضنة مبكرة لهذا الفن وراعية لتحولاته.
وتناول العبدان خلال مداخلته مجموعة من التساؤلات الجوهرية، منها: هل أضافت وسائل التواصل الاجتماعي أفقًا جديدًا للكاريكاتير؟ وهل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يعزّز من قدرة رسام الكاريكاتير على التأثير؟ وما أثر تحوّل الصحف والمجلات من ورقية إلى إلكترونية على حضور هذا الفن؟ كما ناقش ما إذا كانت المنصات الرقمية قد أصبحت بديلًا حقيقيًا للمعارض والصحف في عرض الكاريكاتير، وما إذا كان بإمكان الفنان تحقيق الاستدامة المهنية في هذا السياق المتحوّل.
وفي مداخلته، أشار الدكتور علي القحيص، الكاتب والصحفي ورسام الكاريكاتير، إلى أن هذا الفن العريق سابق للصحافة، وتعود جذوره إلى العصور الوسطى، مشيرًا إلى أن مصر كانت سبّاقة في توظيف الكاريكاتير منذ عهد الفراعنة من خلال الرسومات على البرديات. واعتبر أن الصحافة قد منحت الكاريكاتير مساحة انتشار وتأثير، إلا أن العصر الرقمي ساهم في تراجع مكانته الكلاسيكية، وفتح الباب أمام اجتهادات غير احترافية شوهت أحيانًا هذا الفن.
وشدّد القحيص على أن الذكاء الاصطناعي لا يمكن أن يحل محل الفنان الحقيقي، وقد يسيء في بعض الأحيان إلى الفكرة الأصلية، مؤكدًا أن الكاريكاتير الجاد ما زال قادرًا على إحداث الأثر متى ما توفرت فيه الفكرة العميقة والصدق الفني. وأشاد بتجارب رائدة تجاوزت الحدود مثل ناجي العلي، علي فرزات، ومحمود كحيل، الذين صاغوا خطابًا بصريًا عالميًا لا يحتاج إلى ترجمة.
من جانبه، رأى الفنان خالد جلل أن الكاريكاتير يظل فنًا حيًا قادرًا على التعبير عن مختلف القضايا، وأن غياب التعليق أحيانًا يمنح اللوحة بعدًا عالميًا، لكن النص يبقى أداة مهمة لتوضيح الفكرة في بعض السياقات. وأشار إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي منحت الفنان حريةً غير مسبوقة، لكنّها في المقابل فتحت الباب أمام السرقة والتشويه والتأويل الخاطئ للأعمال.
وأوضح جلل أن الكاريكاتير هو توازن بين الفكرة والخط، وأن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون أداة مساعدة في تنفيذ العمل أو تسريعه، لكنه لا يستطيع ابتكار الفكرة أو التعويض عن المهارة البشرية، مضيفًا أن منصات التواصل أصبحت أكثر تأثيرًا وانتشارًا من الصحافة الورقية، شريطة الحفاظ على جودة المحتوى وأصالة التعبير.
كما أشار علي العبدان إلى تجربة الرسام المصري نبيل السلمي، الذي جعل من الصورة وحدها أداةً للتعبير، دون الحاجة إلى نص مكتوب، فحققت أعماله بعدًا إنسانيًا يتجاوز اللغة والثقافة.
وفي ختام الجلسة، تفاعل الحضور بمداخلات وتساؤلات أغنت الحوار، قبل أن يتم تكريم المشاركين، في احتفاء مستحق بفن ظلّ صوتًا ناقدًا صادقًا، لا يزال يتجدد بوسائطه، ويحتفظ بجوهره كأداة للتعبير الحر والتفاعل مع تحولات المجتمع.