The Cultural & Scientific Association
The Cultural & Scientific Association
نظّمت ندوة الثقافة والعلوم جلسة حوارية لمناقشة كتاب “محمد سعيد الملا: سيرة مشرقة في تاريخ الإمارات المعاصر” للكاتب مؤيد الشيباني، بحضور نخبة من الشخصيات العامة والثقافية، من بينهم معالي محمد سعيد الرقباني، معالي عبدالله المزروعي، سعادة عبدالغفار حسين، سعادة قاسم سلطان البنا، سعادة علي العويس، وبلال البدور رئيس مجلس إدارة الندوة، إلى جانب د. صلاح القاسم، جمال محمد شريف الخياط، مريم علي الفلاسي، المهندس رشاد بوخش، د. محمد سلطان العلماء، د. رفيعة غباش، د. حصة لوتاه، د. عبدالخالق عبدالله، وعدد كبير من المهتمين وأفراد أسرة الراحل.
شارك في الجلسة معالي محمد أحمد المر، ومعالي أحمد حميد الطاير، وسعادة عائشة محمد سعيد الملا، إلى جانب الباحث مؤيد الشيباني، وأدارها الإعلامي علي عبيد الهاملي نائب رئيس مجلس إدارة الندوة. وأشار الهاملي في كلمته الافتتاحية إلى أن الجلسة تسلط الضوء على شخصية عصامية استثنائية، صنعت بصمتها في العمل الوطني والإداري، وتركَت نموذجًا ملهمًا للأجيال المقبلة.
من الشندغة إلى الوزارات الاتحادية
وُلد محمد سعيد الملا في منطقة الشندغة بدبي عام 1927، ونشأ يتيم الأب في كنف والدته التي أحسنت تربيته. بدأ حياته المهنية في مجال التجارة، ثم التحق بمجلس تخطيط أبو ظبي. وفي أول تشكيل وزاري عام 1971، عُيّن وزير دولة لشؤون الاتحاد والخليج، إضافة إلى توليه وزارة الكهرباء بالوكالة. وفي التشكيلات الوزارية اللاحقة (1973، 1977، 1979، و1990)، تولى حقيبة وزارة المواصلات، قبل أن يتفرغ لاحقًا لأعماله الخاصة.
محمد أحمد المر: وطنيّ متكامل
أكد معالي محمد أحمد المر، رئيس مجلس أمناء مكتبة محمد بن راشد، أن فقدان الملا لوالده في سن مبكرة كان دافعًا لتشكيل شخصية قوية، مدعومة بأسرة مترابطة ومجتمع متماسك. وأشار إلى أن شخصيات بارزة مثل ثاني بن عبد الله الرميثي وعلي بن عبد الله العويس ساندت الملا في بداياته التجارية، مشيدًا بقدراته الخطابية وتعدد نشاطاته بين تجارة السيارات والذهب، وتأسيس الفنادق والبنوك، ووزارات اتحادية.
وأضاف أن الملا لم يكن تاجرًا فحسب، بل رجل دولة شارك في تأسيس مؤسسات وطنية، وعُرف بوطنيته وإصراره على التعلم والاستفادة من التجارب المحلية والعربية. واعتبر المر أن الخسارة الحقيقية هي عدم توثيق سيرته خلال حياته بالشكل الكافي، رغم ما تمثله من قيمة تاريخية عظيمة.
أحمد حميد الطاير: رجل من زمن التحديات
استشهد معالي أحمد حميد الطاير بمقولة ابن خلدون: “الأيام الصعبة تخرج رجالًا أقوياء”، معتبرًا أن هذه المقولة تنطبق تمامًا على الملا، الذي نشأ في ظروف صعبة بعد انهيار تجارة اللؤلؤ. وذكر أن الملا عايش مجالس الحكام، وخاصة مجلس الشيخ سعيد بن مكتوم، واستفاد من أحاديث الكبار وأحداث المنطقة.
وأشار الطاير إلى أن شهادة معالي الشيخ نهيان بن مبارك، التي وردت في مقدمة الكتاب، اختزلت شخصية الملا كرمز للالتزام والعطاء والإنجاز، كما نقل آراء عدد من الشخصيات الوطنية التي أثنت على نزاهته ودوره في تأسيس البنية الاتحادية، ومنها معالي حميد بن ناصر العويس، ومعالي ضاحي خلفان تميم، الذي وصفه بالرجل العبقري صاحب الحضور الإيجابي والأفكار الإبداعية.
عائشة الملا: القائد الذي صنع فريقًا
أكدت سعادة عائشة محمد سعيد الملا، ابنة الراحل، أن والدها ترك إرثًا إنسانيًا وثقافيًا كبيرًا. وتحدثت عن علاقته الاستثنائية بأسرته، ومرافقتها له في العديد من المناسبات المهنية، معتبرة أن علاقتها به لم تكن مجرد علاقة أبوية، بل شراكة فكرية. وأضافت أن والدها غرس فيها مبادئ القيادة والتفكير الجماعي، وشجّع أبناءه وبناته على القراءة والمطالعة والعمل العام.
وتطرقت إلى جانبه الإنساني، مشيرة إلى أنه كان فاعل خير في حياته، حريصًا على دعم الأعمال الخيرية بهدوء، داخل الدولة وخارجها، وكان حضورُه الأسري والمجتمعي طاغيًا رغم انشغالاته المتعددة.
مؤيد الشيباني: سيرة وطن في سيرة رجل
أوضح الكاتب مؤيد الشيباني أن كتابه لا يروي فقط السيرة الذاتية لمحمد سعيد الملا، بل يرصد أيضًا تحولات المكان والزمان في الإمارات. وأكد أن تعرفه على الملا جاء عبر المجالس الثقافية، مثل مجلس سلطان العويس وسيف الغرير، بالإضافة إلى متابعته لمسيرته الوزارية، ما مكّنه من صياغة محتوى غني بدعم من شخصيات عدة كان لها دور فاعل في حياة الملا.
وأثنى الشيباني على تجربة الملا التي تمثل نموذجًا للجيل المؤسس، قائلاً إنه من بين أولئك الذين بنوا مؤسسات الوطن بهدوء وثقة، دون ضجيج أو مبالغة.
في الختام، أكد الحضور أن الراحل محمد سعيد الملا لم يكن مجرد مسؤول أو تاجر، بل كان مدرسة متكاملة في النزاهة والتأسيس والعمل الوطني، ولا تزال سيرته حاضرة في ذاكرة الإمارات. واختتم الإعلامي علي عبيد الهاملي الجلسة بالقول: “رغم غياب الجسد، تبقى السيرة شاهدة على مدرسة في الحياة والإدارة والعمل العام، تحتاجها أجيالنا اليوم أكثر من أي وقت مضى”.