ندوة الثقافة والعلوم تعلن الفائزين بجائزة الشعر العربي في دورتها الثانية

في أمسية تتوهج بالكلمة وتحتفي بالشعر، أعلنت ندوة الثقافة والعلوم بدبي، خلال مؤتمر صحفي حضره لفيف من الإعلاميين والمثقفين، أسماء الفائزين في الدورة الثانية من جائزة ندوة الثقافة والعلوم للشعر العربي، بفروعها الثلاثة: الشعر العمودي، شعر التفعيلة، وقصيدة النثر.
أعلن بلال البدور، رئيس مجلس إدارة الندوة، وعلي عبيد الهاملي، نائب الرئيس والأمين العام للجائزة، نتائج الدورة التي تحمل هذا العام اسم الشاعر الإماراتي الراحل حمد خليفة أبو شهاب، تكريمًا لجهوده في المشهد الشعري والثقافي المحلي، وترسيخًا لاحتفاء الندوة بالشعراء الإماراتيين. وقد كانت الدورة الأولى قد خُصصت لاسم الشاعر سلطان بن علي العويس، في دلالة على عمق الارتباط بين الجائزة والمشهد الشعري في الدولة.
في مستهل كلمته، أشار البدور إلى أن الجائزة، التي أُطلقت قبل عامين، جاءت لتضيف بعدًا نوعيًّا إلى جوائز الشعر العربية، إذ تكرّم القصيدة الواحدة لا الديوان، في خطوة تهدف إلى تحفيز الشعراء العرب على الابتكار في النص المفرد، وفتح المجال أمام المواهب على تنوع مستوياتها وتجاربها. وأضاف أن الدورة الثانية شهدت إقبالًا لافتًا من مختلف أقطار الوطن العربي، تأكيدًا على مصداقية الجائزة وتقدير الشعراء لها.
من جانبه، أكد علي عبيد الهاملي أن جائزة الشعر تحظى بمكانة خاصة لدى مجلس إدارة الندوة، الذي كان مدركًا منذ انطلاق الجائزة وفرة الجوائز الشعرية في العالم العربي، ورغم ذلك اختار أن يضيف بصمة نوعية تكرّم القصيدة لا الديوان. وأضاف أن الجائزة، على حداثة عهدها، انطلقت بخطى واثقة ورؤية ناضجة، وهو ما عكسته المشاركة الواسعة التي تضاعفت في دورتها الثانية، إذ بلغ عدد المشاركين 1234 شاعرًا وشاعرة. وقد توزعت المشاركات على 576 في الشعر العمودي، و304 في شعر التفعيلة، و354 في قصيدة النثر.
وكشف الهاملي أن مجلس إدارة الندوة يدرس فتح المجال في الدورات المقبلة لاستقبال البحوث والدراسات النقدية المتخصصة في الشعر، وذلك بهدف ترسيخ الوعي النقدي، ودعم البحث الأكاديمي، وتعزيز دور الجائزة كمحفّز معرفي إلى جانب دورها الإبداعي.
القصائد الفائزة
وفي إعلان النتائج، فاز في فئة الشعر العمودي الشاعر محمد حامد عبد الله العياف من المملكة الأردنية الهاشمية، عن قصيدته “ترنيمة أخرى لوجه الحياة”، وهي قصيدة امتزج فيها العمق الإنساني بجمالية الصورة والطرح، وتميّزت ببنية لغوية متماسكة وإيقاع شعري آسر. وقد أشادت لجنة التحكيم بالقصيدة لما حملته من رمزية، وسلاسة في البناء، وقدرة على استحضار التاريخ والأسطورة بوصفهما مرآة للواقع العربي المعاصر.
أما في فئة شعر التفعيلة، فقد فاز الشاعر إبراهيم عيسى محمد علي من الجمهورية اليمنية، عن قصيدته “الأسوار”، التي رأت فيها لجنة التحكيم نصًا متمكنًا في لغته، واعيًا بجماليات التفعيلة وتوترها الدرامي، كما تميز النص برؤية فلسفية عميقة وإحالات شعرية حديثة، تعكس ثقافة الشاعر وتنوع مصادره الفكرية.
وفي فئة قصيدة النثر، منحت الجائزة للشاعر محمد عبد الله سليمان التركي من المملكة العربية السعودية عن قصيدته “تعليمات الحصول على بيت شاعر”، التي جاءت في قالب سردي تهكمي بديع، وقدّمت مشهدًا شعريًا وجوديًا، يمزج بين البساطة اليومية والمفارقة الرمزية، في تجربة نثرية رصينة، تُجيد اللعب على الإيقاع الداخلي والصورة المدهشة، وتطرح أسئلة أكثر مما تقدم من أجوبة.
ترنيمة لوجه الحياة
بيّنت اللجنة أن قصيدة العمودي “ترنيمة أخرى لوجه الحياة” نالت الجائزة لسلامة لغتها، وتماسك بنائها، ورمزية شخوصها وتاريخها، واستخدامها المبتكر للصور الشعرية، إذ جاءت متدفقة الإيقاع، غنية بالمعاني، وموظفة لرموز التراث الديني والتاريخي لتضيء واقعًا مليئًا بالتحديات.
أما في التفعيلة، فقد خضعت النصوص المشاركة إلى مراحل تقييم دقيقة، من فرز أولي ثم تصنيف حسب المستوى الفني، قبل الوصول إلى مرحلة التصفية النهائية لعشر قصائد، ومنها اختيرت “الأسوار” باعتبارها نصًا يجمع بين جدّة الرؤية وتكامل البناء الفني والبلاغي، وقدرة على اجتراح الصور واستبطان الهواجس الإنسانية، فضلًا عن تمكّن الشاعر من تشكيل فضاء شعري حديث ومتعدد الأبعاد.
فيما رأت اللجنة في قصيدة “تعليمات الحصول على بيت شاعر” تجربة نثرية متفردة، اعتمدت السخرية الناعمة والتكرار البنائي كركيزة للتصعيد الدلالي، ونجحت في تحويل تجربة شخصية إلى سردية شعرية تعكس القلق الوجودي والهواجس الإنسانية، ما جعلها نموذجًا ناضجًا في قصيدة النثر المعاصرة.
جلسة نقاشية
اختتم المؤتمر الصحفي بجلسة نقاشية مع الحضور من الإعلاميين والنقاد، تناولت مستقبل الجائزة، وخصوصية تكريم القصيدة المفردة، والتوجهات المستقبلية لندوة الثقافة والعلوم في دعم الشعر العربي. وقد رحّب القائمون على الجائزة بكل الاقتراحات التي تساهم في تطويرها، مؤكدين أن الأهم هو الإسهام في تجديد الحركة الشعرية العربية واحتضان تجاربها المتنوعة.