إبراهيم بوملحه يروي جماليات وقيم «الفريج» في ندوة الثقافة والعلوم

إبراهيم بوملحه يروي جماليات وقيم «الفريج» في ندوة الثقافة والعلوم

16-10-2019

نظمت ندوة الثقافة والعلوم في دبي، أول من أمس، جلسة قرائية استضافت فيها المستشار إبراهيم بوملحه، مستشار صاحب السمو حاكم دبي للشؤون الإنسانية والثقافية، ونائب رئيس مجلس أمناء مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للأعمال الخيرية والإنسانية، حيث تحدث عن كتابه الجديد «الفريج»، في حضور نخبة من الشخصيات البارزة، منهم: سعيد محمد الرقباني المستشار الخاص لصاحب السمو حاكم الفجيرة ورئيس مجلس أمناء جامعة الفجيرة، ومعالي عبدالله محمد غباش المدير العام لجهاز الرقابة المالية، والأديب عبدالغفار حسين، وجمال الغرير، وسعادة بلال البدور رئيس مجلس إدارة ندوة الثقافة والعلوم، والأستاذ علي عبيد الهاملي نائب رئيس مجلس الإدارة، والدكتور صلاح القاسم، والأديبة عائشة سلطان أعضاء مجلس الإدارة، إلى جانب الدكتور سعيد حارب، والدكتورة حصة لوتاه، وجمع غفير من الحضور والمهتمين.
وقد أدارت الجلسة الدكتورة رفيعة غباش، مؤسسة ومديرة متحف المرأة في دبي، والتي استهلت اللقاء بعرض فيلم توثيقي من إعداد وإنتاج متحف المرأة بعنوان: «شعب يرتوي ماءً وحباً وكرامة»، يتناول حفر أول بئر ماء في دبي.
دفء الذاكرة وروح المكان
أكد المستشار إبراهيم بوملحه خلال مداخلته أهمية أن ينصب اهتمام المثقفين على إحياء قيم وجماليات «الفريج» ورونق التراث والتاريخ، سواء عبر العرض أو التناول أو التوثيق، لافتاً إلى أن الحفاظ على الإرث التاريخي مسؤولية جماعية مشتركة. وأوضح أن «الفريج» ليس مجرد حي سكني، بل عنوان كبير تتفرع منه موضوعات وقيم وممارسات شكلت كيان المجتمع الإماراتي بعاداته وتقاليده وأعرافه.
ومن جانبها، أشارت الدكتورة رفيعة غباش إلى أن كتاب بوملحه غير عادي، إذ شعرت أثناء قراءته أنها لا تقرأ النص بقدر ما تعيش تفاصيله، لما يحمله من دفء عاطفي وصدق في تصوير المشاهد اليومية للحياة في الفريج. وأوضحت أن هناك تقاطعات مشتركة بينها وبين بوملحه، فقد عاشا طفولتهما في الحي ذاته، بل إنها درست على يد ابنة «المطوعة الزينة» التي تحدث عنها بوملحه بإجلال في كتابه، واصفاً إياها بأنها «المرأة الطاهرة التي علمتنا كتاب الله، ولا تزال صورتها حيّة في ذهني حتى اليوم».
وأضافت غباش أن بوملحه كتب بقلبه أكثر مما كتب بيده، حيث تحرى دقة التفاصيل ودعمها بالشواهد والصور والأشعار، ليقدم للقراء عملاً يوثق ملامح الحياة الاجتماعية في الفريج، بدءاً من مهن الآباء والأمهات، مروراً بألعاب الأطفال، وصولاً إلى العادات الغذائية واليومية التي صنعت هوية المجتمع.
ذاكرة تتلاشى ومسؤولية مستمرة
وقال بوملحه: «الفريج هو الذاكرة التي تحفظ الماضي بكل تفاصيله، وقد خشيت مع سرعة التطور أن تندثر تلك التفاصيل، فبادرت إلى توثيقها في هذا الكتاب». وأوضح أن فريج سكة الخيل ظل حاضراً في ذهنه كلوحة متكاملة، حتى شعر أثناء الكتابة وكأنه يرسم المكان من جديد. وأشار إلى أن الكثير من الفرجان تلاشت مع العمران الحديث، ولم يتبق في دبي سوى فريج البستكية، مؤكداً أهمية هذه الأحياء في التواصل بين الأجيال وربطها بالماضي، انسجاماً مع مقولة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه: «من لا يعرف ماضيه، لا يعرف حاضره».
وشدد بوملحه على أن الحفاظ على التراث مسؤولية مشتركة بين الدولة والمجتمع، فكما تعمل الدولة على إحياء المناطق القديمة، يجب أن تحتضن المناهج الدراسية موضوعات عن الفريج، وأن تواصل الأسر دورها في إحياء قيمه ومظاهره، بما فيها الألفة والتكافل والمحبة.
نقد للانتقال السريع
وأعرب بوملحه عن أسفه للانتقال السريع من حياة الفريج إلى الحياة العصرية، معتبراً أن هذا التطور وإن كان إيجابياً، فإنه شكل قطيعة حادة مع الماضي. وقال: «الفريج أدى دوراً محورياً في حفظ التقاليد والأعراف، وما دفعني لكتابة هذا الكتاب هو توثيق ذاكرة مكتوبة للأجيال الجديدة كي تبقى على صلة بالماضي».
قيم إنسانية وعلاقات أسرية
وتناول بوملحه في حديثه الجوانب الاجتماعية التي ميزت الفريج، موضحاً أن الخلافات بين الناس كانت تُحل داخل الفريج على يد الأعيان من دون اللجوء إلى المحاكم، وأن البيوت المتلاصقة كانت تبعث الدفء في النفوس حتى شعر الناس أنهم عائلة واحدة. وأشار إلى أن الروابط الأسرية ارتقت إلى مستوى القدوة، حيث كان أبناء الفريج إخوة في الرضاعة، والأطفال يوقرون الكبار، ما عزز قيم الاحترام والتلاحم الاجتماعي.
كما استعرض أبرز الشخصيات المؤثرة في الفريج، مثل أحمد ومحمد بن دلموك، اللذين لعبا دوراً بارزاً في التكافل الاجتماعي، وكانا سنداً للمتعسرين، فضلاً عن عطائهما لأبناء الدولة والخليج. وتوقف عند بعض الشخصيات الأخرى التي ذكرها في كتابه، مثل المعالجة آمنة معتوقة والمطوعة، معتبراً أن هذه الشخصيات جسدت قيم العطاء والوفاء.
ارتباط بالمكان وتفاعل مع القومية
وروى بوملحه أنه ورغم انتقاله من فريج سكة الخيل إلى مكان آخر، إلا أنه اعتاد من والده زيارة الفريج باستمرار، ويحرص حتى اليوم على هذه الزيارة الأسبوعية، مستدعياً ذكريات الماضي رغم تغير ملامح المكان. كما أشار إلى تفاعل أهل الإمارات مع القضايا العربية الكبرى، مؤكداً أن دخول التعليم عبر المدرسين العرب غذّى الروح القومية في أبناء الإمارات، الذين تفاعلوا مع أحداث مثل ثورة 23 يوليو والعدوان الثلاثي على مصر بروح تضامنية عالية.
دعوة للتوثيق
وفي ختام الجلسة، ناشد بوملحه الباحثين والمثقفين ضرورة توثيق ذكريات المكان وتسجيل ملامح الحياة الاجتماعية في مختلف مناطق الدولة، مؤكداً أن «الفريج» ليس مجرد حيز جغرافي، بل وحدة اجتماعية متكاملة أسهمت في تشكيل الشخصية الإماراتية، ورسخت قيماً من المحبة والتكافل والاحترام المتبادل، لتظل شاهداً على التاريخ، ومرجعاً للأجيال المقبلة.

إبراهيم بوملحه يروي جماليات وقيم «الفريج» في ندوة الثقافة والعلوم
Scroll to top