في أمسية نظمتها ندوة الثقافة والعلوم

في أمسية نظمتها ندوة الثقافة والعلوم
محمد المر: نوجه التحية لكنَّ.. تجاربكنّ متميزة وأثرت الحياة الثقافية والفنية نجمات إماراتيات.. نجاحات وهموم في يوم المرأة

2017

تحوّل الاحتفاء بيوم المرأة العالمي في ندوة الثقافة والعلوم بدبي إلى مساحة حوارية فنية وثقافية واسعة، فجمعت بين ثلاث نجمات ذوات حضور وباع في المسرح والتلفزيون والشعر والسينما والتشكيل، هنّ نجوم الغانم وفاطمة لوتاه وسُميرة أحمد، وبين جمهور نوعي حضرته أسماء ثقافية بارزة. ومع افتتاح الأمسية، وجّه الأديب محمد المر تحية إلى المرأة الإماراتية المبدعة ممثلةً في ضيفات الجلسة، مؤكداً فرادة تجاربهن، وما أصبح لبعضها من أثرٍ مُلهم لنساء حاضراً ومستقبلاً، قبل أن يتوقف عند سؤال تراجع المسرح المحلي وغياب الأعمال المؤثرة، بوصفه هماً ينبغي مواجهته لا الالتفاف عليه.
على منصة الندوة تولّت الإعلامية شيخة المطيري إدارة الحوار الذي لم يلبث أن انفتح على قضايا الوسط الفني والثقافي في الإمارات. الشاعرة والمخرجة نجوم الغانم آثرت أن «تُربّت» على كتف الفنانة التشكيلية فاطمة لوتاه حين طُلب وصف دور المجتمع في دعم المبدعة، بينما شكت لوتاه مرارة التجاهل رغم تميّز المنجز، وذهبت إلى أن الانبهار بما يُقدَّم لا يصاحبه في الغالب سند فعلي أو موقف داعم حقيقي. من جهتها تحدّثت سُميرة أحمد بصراحة إلى «الإمارات اليوم» قائلة إن نوعية ما يُقدَّم لم تعد شرطاً لضمان مكانٍ في بؤرة الضوء؛ فالمقاييس تبدّلت لترفع شأن ظواهر غريبة ودخيلة على الفن عند البعض، حتى غدا الركون إلى الموضة والخروج على النص بديلاً مغرياً عن الإبداع الحقيقي. وفي المقابل دعت الدكتورة رفيعة غباش إلى عدم تعميم الصورة، لكنها لم تُخفِ قلقها من انطباع سلبي صنعه في المجتمع حضورٌ عابر لوجوه تتكرر في الفعاليات والمهرجانات ثم تذوب سريعاً؛ مئةٌ وخمسون إلى مئتا اسمٍ – كما قالت – لا يمثلوننا ولا يعرفون قضايانا الحقيقية ويعيشون غربةً بيننا.
لم تخلُ الجلسة من عتابٍ مُباشر، فقد وجّهت سُميرة أحمد نقداً شديداً للمسؤولين في هيئة دبي للثقافة بشأن تنظيم «مهرجان دبي لمسرح الشباب»، معتبرةً أن ما يجري سنوياً لا يتجاوز «فرد عضلات»، وأن حصاد الدورات المتعاقبة لم يُفرّخ سوى تجربة مروان عبد الله صالح الذي وجد حوله بيئة خاصّة منذ نشأته بين الكبار، فيما تكمن المعضلة الحقيقية – على حد قولها – في غياب السند الأكاديمي. طالبت بالدراسات المتخصصة في المسرح وبأن يُعاد توجيه وعي الشباب من لهاث الشهرة والمال إلى حبّ الفن والإيمان بما يقدمونه. وفي خضم ذلك، سجّلت نجوم الغانم موقفاً لافتاً حين شدّدت على أن الفن، على عمقه، لا يزال محتاجاً إلى دعمٍ مجتمعي؛ فالدعم المؤسسي والحكومي «يدٌ واحدة لا تُصفّق»، واستحضرت تجربتها الشخصية موجهةً التحية إلى الأديب عبد الغفار حسين بوصفه رجل الأعمال الوحيد الذي قدّم لها العون مع بداياتها السينمائية.
المعرض التشكيلي المصاحب للجلسة أضفى على الأمسية ملمساً بصرياً أخّاذاً؛ افتتحه محمد المر وضم أعمال فاطمة لوتاه وزكية كردي، حيث قدّمت لوتاه ثمانية أعمال، وقدّمت كردي خمسة عشر عملاً توظّف الرمال البحرية والصحراوية والصدف في تكويناتٍ تُحيل إلى الوجوه النسائية وتحوّلاتها. وقد بدا التواشج بين ما على الجدران وما يدور على المنصة بديعاً، إذ تكاملت السردية البصرية مع سرديات السيرة والإبداع.
في حكايات البدايات، قالت سُميرة أحمد إن الفن لم يكن داخل خطط فتاةٍ إماراتية مثلها، لكن مصادفة قرب منزلها من جمعيةٍ للفنون الشعبية والمسرح أسرتها؛ كان المسرح في الهواء الطلق، والأصوات تتسرّب إلى بيتها، فتجرّأت ذات يوم وفتحت الباب المغلق لتدخل منبعاً أثْرى حياتها. كانت انطلاقتها عام 1977 صعبة، غير أن رعيلًا من الرائدات وقفن معها: موزة المزروعي، ريحانة التمري، مريم سلطان، رزيقة طارش، ومريم أحمد، ومنهن استمدّت القدرة على الاستمرار. أكدت اعتزازها بهويتها الإماراتية التي تُصر على إبرازها في كل عمل، متمسكة بلهجتها ولباسها الوطني مهما اختلف السياق.
نجوم الغانم سردت انتقالها من الشعر إلى الإخراج، وأعادت فضل تشكّلها الإبداعي إلى بيتٍ امتلأ بالنساء؛ قاسين في بعض المواقف لكنهنّ صقلن فيها الالتزام والمسؤولية. قالت إن نافذتها الأولى على العالم كانت في بيت جدها على درجات السلم المطلّة على خور دبي؛ هناك تحوّلت صورة المراكب السائرة إلى كتابةٍ ثم رسمٍ ثم أول فيلم وثائقي أخرجته.
أما فاطمة لوتاه فاستعادت شغف اللون الذي بدأ وهي ابنة ثلاثة عشر عاماً؛ حلمت بموافقة العائلة على السفر إلى أكاديمية بغداد فتعلّمت التشريح بوصفه أساس الفن، ثم تابعت في الولايات المتحدة قبل أن تنتقل، بإلحاح أساتذتها، إلى إيطاليا عام 1984، حيث تضاعف زخم تجربتها ولا يزال شغفها باللون يتجدد.
وإذ توالت المداخلات، أعاد محمد المر التأكيد على تحيته للمبدعات الإماراتيات، قائلاً إن التجارب التي قدمتها ضيفات الجلسة متميزة وأثرت الحياة الثقافية والفنية، وإن بعضها تحوّل بالفعل إلى مناراتٍ تُستلهم. وفي القاعة كانت وجوه من المشهد الثقافي تتبادل الإشارة إلى أن ما بدأ مناسبة احتفالية غادر بروحه إلى مساء أسئلةٍ صريحة حول معنى الإبداع وشروط حضوره، وحول الحاجة إلى جسورٍ أوثق بين المؤسسي والمجتمعي، وبين التدريب الأكاديمي وصناعة المسرح والسينما، وبين التقدير الرمزي والدعم العملي الذي يضمن استدامة المنجز. وبينما كانت اللوحات تلمع على الجدران، بدت الأصوات الثلاثة – الغانم ولوتاه وسُميرة – متباينةَ المسارات متّحدةَ المقصد: أن تظل المرأة الإماراتية تصنع أثرها في الثقافة والفن، وأن تُسمع تجربتها بوضوح، وأن تجد من المجتمع والمؤسسات ما يجعل تلك التجربة أكثر رسوخاً وامتداداً.

في أمسية نظمتها ندوة الثقافة والعلوم
Scroll to top