بلال البدو يقرأ تضاريس الحركة الثقافية في الأردن

ضمن محاضرة في دبي
بلال البدو يقرأ تضاريس الحركة الثقافية في الأردن

28-12-2017

قدّم الأديب والباحث والشاعر بلال البدور، سفير دولة الإمارات السابق لدى المملكة الأردنية الهاشمية، محاضرة موسّعة في دبي قرأ خلالها تضاريس الحركة الثقافية في الأردن تاريخاً ومجتمعاً ومؤسسات ومشاهد إبداعية، بحضور نوعي من مثقفين وكتّاب ومسؤولين إماراتيين وعرب، منهم الأديب عبد الغفار حسين وسعيد النابودة والدكتور عارف الشيخ والدكتور صلاح القاسم والدكتور شهاب غانم والدكتور خالد الوزني وإبراهيم العابد وأعضاء من مجلس العمل الأردني، إلى جانب حشد من الإعلاميين والمهتمين.
واستهلّ البدور حديثه بالتأكيد على الأثر العربي والإنساني للمغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، في دعم الحراك الثقافي والاجتماعي والاقتصادي بالأردن وغيرها من البلدان، مذكّراً بتوجيهه إقامة سباقات الهجن في وادي رم التي ما زالت تُنظَّم سنوياً بتمويل إماراتي ويشهد حفلها الختامي الشيخ سلطان بن حمدان بن محمد آل نهيان.
ثم قدّم مدخلاً لفهم المشهد الثقافي عبر قراءة المجتمع الأردني في جغرافيته وتاريخه وتركيبته السكانية، فالأردن بوابة الخليج إلى بلاد الشام وقد تواترت عليه حضارات الرومان والأنباط والعرب والعثمانيين وخلّفت آثاراً باقية في البترا وجرش ووادي رم ووادي الأردن، في حين ارتسمت عمّان على سبعة جبال باتت اليوم تسع تضاريس بسبب التوسع العمراني. وتجاورت في النسيج الأردني مكوّنات شركسية وشيشانية وكردية وتركية مع الأكثرية العربية، إلى جانب مسيحيين من مذاهب متعددة ومسلمين ، وأردنيين من أصول فلسطينية وسورية وعراقية ويمنية وليبية، غير أن اللغة العربية أمٌّ جامعة وهويةٌ عربية إسلامية راسخة، تعكس صلة وثيقة بين القيادة والشعب تتبدّى في اللقب الوجداني «سِيدنا» للملك عبد الله الثاني، وهو احترام نابع من حزم أمني واعٍ بعيد عن القمع.
وحثّ البدور على إدراج الأردن في برامج السياحة الثقافية الواعية، فهناك أم الرصاص على بُعد نحو ثلاثين كيلومتراً من عمّان وقد كُشف فيها عن آثار أربع عشرة كنيسة إحداها من العهد العباسي الأول وما زالت زخارفها الأرضية واضحة، وهناك جرش/جراسيا بآثارها ومهرجانها السنوي، ووادي رم بجباله المنحوتة وصحرائه المدهشة حيث تُقام سباقات الهجن بدعم إماراتي، ولهجة أهله وعاداتهم تكاد تلتقي مع لهجات وعادات أهل الخليج. وعلى مستوى التعبير الفني أنتج هذا التنوع ألواناً غنائية تتجاور؛ فالغناء البدوي تصحبه الربابة، فيما يرافق الغناء الريفي الدبكة، ضمن هوية أردنية أصيلة تتسع للاختلاف وتحتفظ بوحدة الذائقة.
وانتقل البدور إلى شبكة المؤسسات الثقافية التي تمنح المشهد حيويته، فهناك المركز الثقافي الملكي الذي يضم مسرحين وقاعات عرض، ومنتدى الفكر العربي الذي انطلق بمبادرات مثل الميثاق الاقتصادي العربي ثم الميثاق الاجتماعي ويُدرس الآن الميثاق الثقافي العربي، ومؤسسة عبدالحميد شومان التي تستضيف محاضرين ومعارض من الداخل والخارج، وملتقى أبو غزاله الثقافي بأنشطته المنتظمة، وهيئة الشؤون الدولية برئاسة عبدالسلام المجالي وتضم رؤساء حكومات ووزراء سابقين وتعقد جلساتها كل ثلاثاء لبحث قضايا عربية ودولية ورفع توصيات للجهات المعنية، ومجمع اللغة العربية الأردني الأقدم الذي أصدر معجماً ودرس أخطاء الصحافيين والقضاة وانتزع قانون حماية اللغة العربية، إضافة إلى بيوت الشعر الشعبي في عمّان والمفرق وسواهما بدعم من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة
. وأشار إلى أن الدراما التاريخية حجزت مساحة معتبرة على الشاشة، فيما ظل العطاء السينمائي المؤسسي محدوداً رغم تأسيس دائرة السينما عام 1965 والنادي السينمائي عام 1979، غير أن خارطة المهرجانات والمعارض تزدان سنوياً بفعاليات مثل جرش للثقافة والفنون والفحيص وموسيقى البلد ودار الزين وقلعة عمّان وأيام عمّان المسرحية ومعرض الكتاب السنوي، إلى جانب متحفين بارزين هما متحف الأردن للآثار ومتحف السيارات الملكي الذي يوثّق سيارات الملك الحسين، كما يزخر الأردن بالمزارات الدينية من مقامات الأنبياء والصحابة والأولياء بما يفتح آفاقاً واسعة للسياحة الدينية.
واستعاد البدور جانباً من تجربته سفيراً للإمارات في عمّان خلال عامي 2016–2017، إذ انشغل بدعم الأنشطة الثقافية بخاصة الخطاطين والفنانين واقترح على وزارة الثقافة إقامة معرض للخط العربي، وأسهمت مؤسسة طلال أبوغزاله في تقديم دعم مالي سنوي لهذه الفئة، مؤكداً أن الدبلوماسية الناعمة تراكم أثرها حين تمسّ الفنون والكتاب والمكتبات.
وفي النقاش الختامي طُرحت العوائق أمام تطوير الحراك الثقافي، فرأى أن عدم الاستقرار في رأس الهرم الثقافي أبرزها، إذ تغير ثلاثة وزراء ثقافة خلال عامين بما يربك التخطيط ويضعف العمل المؤسسي قياساً بالتجربة الإماراتية. وأشاد الأديب عبدالغفار حسين بنموذج البدور الذي يجمع بين الثقافة والدبلوماسية مستعرضاً جذور العلاقات الإماراتية الأردنية منذ خمسينيات القرن الماضي عبر قوة ساحل عُمان وزيارات الملك الحسين، فيما سأل الدكتور شهاب غانم عن المشهد الشعري فأجاب البدور بأنه ركز على الدبلوماسية الناعمة والتقى شعراء نفتخر بهم، في طليعتهم راشد عيسى، مذكّراً برواد كعرار مصطفى وهبي التل وحيدر محمود، بينما أكد الدكتور خالد الوزني أن حديث عمّان اليوم يتمحور حول الاستفادة من التجربة الإماراتية المتقدمة في المجالات العلمية والمعرفية والثقافية والاقتصادية بفضل قيادة رشيدة جعلت سعادة الإنسان ورفاهيته بوصلتها.
واختتمت الأمسية بسيرة موجزة للمحاضر؛ فبلال البدور أديب وباحث وسفير الإمارات السابق لدى الأردن، عمل سنوات طويلة في وزارة الخارجية، وله مؤلفات منها «موسوعة شعراء الإمارات»، وهو عضو مجلس إدارة ندوة الثقافة والعلوم في دبي ورئيس جمعية حماية اللغة العربية في الدولة، وحائز وسام الاستقلال من الملك عبد الله الثاني عام 2017.

بلال البدو يقرأ تضاريس الحركة الثقافية في الأردن
Scroll to top