
The Cultural & Scientific Association
The Cultural & Scientific Association

29-09-2025
في ليلة حملت عبق الشعر وروح الكلمة، اجتمع الأدباء والمثقفون في رحاب ندوة الثقافة والعلوم بدبي، ليشهدوا تتويج الفائزين بجائزة الشعر العربي في دورتها الثانية التي خُصصت للشاعر الكبير الراحل حمد خليفة أبو شهاب، حيث تحول الحفل إلى احتفاء بالقصيدة العربية ومهرجان للمعنى والجمال.
شهدت الأمسية حضور سعادة بلال البدور رئيس مجلس الإدارة، والأستاذ علي عبيد الهاملي نائب الرئيس وأمين عام الجائزة، والدكتور صلاح القاسم المدير الإداري، والأستاذ بطي الفلاسي رئيس اللجنة الثقافية، والأستاذ محمد البريكي مدير بيت الشعر بالشارقة، إلى جانب لفيف من الأدباء والمهتمين بالشأن الثقافي والإعلامي، ما أضفى على الأمسية أجواء من التقدير والاحتفاء بالشعر العربي ومكانته.
استهل الأستاذ علي عبيد الهاملي الأمسية بكلمة عبّر فيها عن عمق المعنى الذي تحمله هذه الدورة من الجائزة، إذ تحمل اسم الشاعر الكبير الراحل حمد خليفة أبو شهاب، الغائب الحاضر في وجدان الأدب الإماراتي والعربي، ورمزًا من رموز القصيدة التي ربطت الماضي بالحاضر وأنارت دروب المستقبل.
وأكد الهاملي أن الجائزة منذ انطلاقتها أرادت أن تؤكد مكانة الشعر العربي كديوان العرب وذاكرة وجدانهم، وأن تكون منبرًا جامعًا يلتقي فيه المبدعون من مختلف أنحاء الوطن العربي، بل ومن دول وقارات بعيدة، لتبرهن أن لغة الشعر العربي قادرة على عبور الحدود، وأنها ما زالت لغة إنسانية للتواصل الثقافي والحضاري بين الشعوب.
وأشار الهاملي إلى أن الدورة الثانية من الجائزة شهدت مشاركة واسعة بلغت 1234 شاعرًا من 36 دولة، توزعوا على ثلاثة فروع رئيسية هي الشعر العمودي وشعر التفعيلة وقصيدة النثر. وأكد أن هذه الأرقام ليست مجرد إحصاءات، بل هي انعكاس حي لزخم المشهد الشعري وغنى التجارب وتنوع الأساليب وحيوية الإبداع العربي الذي يثبت في كل مرة أنه عصي على التراجع وقادر على تجديد نفسه جيلاً بعد جيل. وأضاف أن ما يبعث على التفاؤل أن الفئة الشابة بين الثلاثين والأربعين عامًا كانت الأكثر حضورًا وتأثيرًا في جميع الفروع، وهو ما يشير إلى أننا أمام جيل جديد ينهض بمسؤولية حمل رسالة الشعر إلى المستقبل، ويعيد صياغة العلاقة بين الإنسان والكلمة في إطار من القضايا الوجودية والإنسانية والوجدانية التي تمس مجتمعاتنا.
وأكد أن هدف الجائزة لا يقتصر على التنافس والفوز، بل يتعداه ليكون مشروعًا ثقافيًا استراتيجيًا يحتفي بالمواهب ويكرم التجارب الفريدة ويعزز ثقة المبدعين بأن هناك من يقدّر نتاجهم ويمد لهم يد العون ليواصلوا رسالتهم. واعتبر أن هذا الحضور الكبير للأدباء والمثقفين والإعلاميين هو أصدق دليل على أن رسالتها وصلت وأنها غدت حدثًا أدبيًا ينتظره الجميع بشغف. وختم كلمته بالتأكيد أن الشعر سيظل هو النبض الذي يوحد العرب، واللغة التي تقرب بينهم، والمرآة التي تعكس هويتهم ووجدانهم، وأن الجائزة ما هي إلا وفاء للكلمة الصادقة واحتفاء بالشعراء الذين يضيئون دروب الحياة بالمعنى والجمال.
وعقب الكلمة جرى الإعلان عن الفائزين في فروع الجائزة الثلاثة، حيث فاز في فرع الشعر العمودي الشاعر محمد حامد عبد الله العياف من المملكة الأردنية الهاشمية عن قصيدته ترنيمة أخرى لوجه الحياة، وفاز في فرع شعر التفعيلة الشاعر إبراهيم عيسى محمد علي من الجمهورية اليمنية عن قصيدته الأسوار، بينما فاز في فرع قصيدة النثر الشاعر محمد عبد الله سليمان التركي من المملكة العربية السعودية عن نصه تعليمات الحصول على بيت شاعر.
وصاحب حفل التكريم ندوة علمية موسعة حملت عنوان قراءات في شعر حمد خليفة أبو شهاب، جاءت لتضيء ملامح شخصية شاعر جمع بين موهبة الإبداع الشعري وغزارة العلم والتوثيق، فكان علامة فارقة في الشعر الإماراتي والعربي. أدارت الندوة أ. د. عائشة الشامسي رئيس قسم اللغة العربية في جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية، التي استهلت حديثها بالتأكيد على أن اختيار شخصية حمد خليفة أبو شهاب ليكون محور البحث والدراسة لم يأت من فراغ، فهو الشاعر والمؤرخ والباحث الذي لم يكتف بصوت القصيدة، بل انشغل بالتأريخ للشعر النبطي والشعبي، ليكون شاهدًا على مرحلة كاملة من تاريخ الإمارات الثقافي والأدبي، وذاكرة حية تحفظ النصوص وتوثقها للأجيال.
وقدمت الدكتورة مريم الهاشمي، أستاذة اللغة العربية والنقد في كليات التقنية، ورقة بحثية بعنوان تجليات الصورة الفنية في شعر حمد خليفة أبو شهاب بين المصدر والتشكيل، تناولت فيها بعمق طبيعة الصورة الشعرية باعتبارها أداة مركزية في العمل الشعري، فهي ليست مجرد زخرفة لغوية، بل انعكاس لتجربة الشاعر، ومرآة لزمانه ،وبيئته ووجدانه. وأوضحت أن أبو شهاب اعتمد في صياغة صوره الفنية على ركيزتين أساسيتين: الأولى استلهام التراث والذاكرة الجمعية بما تحمله من رموز وأساطير وتجارب، والثانية قدرته على تحويل هذه الاستدعاءات إلى تشكيلات لغوية حية نابضة بالخيال والموسيقا الداخلية للنص، مما جعل صوره قادرة على التأثير في المتلقي وإثارة وجدانه وعقله في آن واحد. وأضافت أن الصورة في تجربة أبو شهاب لم تكن عنصرًا تجميليًا فحسب، بل أداة معرفية وجمالية تكشف عن وعيه العميق باللغة، وتؤكد قدرته على المزج بين العاطفة والثقافة والخيال في بنية واحدة.
ثم جاء الدور على أ. د. أحمد مقبل محمد المنصوري من جامعة الوصل، الذي قدم ورقة علمية ركز فيها على البعد الهوياتي في تجربة أبو شهاب، مبينًا كيف نجح الشاعر في المزج بين التراث والحداثة، ليؤسس خطابًا شعريًا يستلهم الأصالة ويواكب المعاصرة. وأكد المنصوري أن أبو شهاب لم يكن شاعرًا منعزلًا عن قضايا مجتمعه، بل كان نصه يتفاعل مع الهموم الوطنية والإنسانية، ويعكس في الوقت نفسه وعيًا نقديًا بالتاريخ الثقافي. ورأى أن تجربته تقف عند نقطة التقاء مهمة بين الهوية المحلية للإمارات والهوية العربية الأوسع، مما جعله صوتًا قادرًا على تمثيل الثقافة الوطنية والانفتاح على المحيط العربي في آن واحد.
أما الدكتور حمزة قناوي فقد قدم قراءة نقدية في محور الشعر والهوية الثقافية، مبرزًا أن أبو شهاب لم يكن مجرد شاعر يوظف الرموز التاريخية، بل كان واعيًا بقدرة الكلمة على بناء هوية جماعية، تتجاوز حدود الفرد لتلامس هموم المجتمع، وتعيد صياغة العلاقة بين الماضي والحاضر. وأكد قناوي أن نصوص أبو شهاب تكشف عن شاعر مثقف صاحب مشروع، استطاع أن يجعل من الشعر أداة لحفظ الذاكرة وإعادة إنتاجها بما يتلاءم مع تطلعات الحاضر ورؤى المستقبل.
وهكذا تحولت الندوة العلمية إلى فضاء نقدي غني جمع بين قراءات متعددة، كل منها أبرز جانبًا من جوانب تجربة حمد خليفة أبو شهاب، ليظهر في النهاية شاعرًا موسوعيًا متعدد الأبعاد: مبدعًا وموثقًا، وطنيًا وإنسانيًا، محليًا وعربيًا، وصوتًا شعريًا لا يزال حاضرًا في المشهد الثقافي رغم غيابه.
واختتمت الأمسية بتكريم الفائزين والمتحدثين من قبل سعادة بلال البدور رئيس مجلس الإدارة والأستاذ علي عبيد الهاملي نائب الرئيس، وسط إشادة الحضور بما حققته الجائزة في دورتها الثانية من إشعاع ثقافي وأدبي يؤكد مكانة دبي ودولة الإمارات كمنارة للثقافة ومركز للحراك الأدبي العربي.