The Cultural & Scientific Association
The Cultural & Scientific Association
في إطار اهتمامها بتعزيز الحوار الحضاري وتوثيق الروابط الثقافية بين الشعوب، نظّمت ندوة الثقافة والعلوم بالتعاون مع القنصلية العامة لجمهورية أثيوبيا الفيدرالية الديمقراطية محاضرة بعنوان «العلاقات الثقافية العربية الأثيوبية»، قدّمها الباحث المتخصص د. آدم كامل، بحضور سعادة أكليلوا كيبيدي، قنصل عام جمهورية أثيوبيا في دبي، وسعادة بلال البدور، رئيس مجلس إدارة ندوة الثقافة والعلوم، وسعادة علي عبيد الهاملي، نائب الرئيس، والدكتور صلاح القاسم، المدير الإداري، وجمال الخياط، المدير المالي، وعدد من المثقفين والمهتمين بالشأن الثقافي العربي والأفريقي.
واستهل د. آدم كامل محاضرته بتأكيد عمق الجذور التاريخية للعلاقات العربية الأثيوبية، مشيرًا إلى أن هذه الروابط ليست وليدة الدين أو الجغرافيا فحسب، بل سابقة للإسلام، حيث تداخلت الشعوب وتفاعلت الثقافات على مدار قرون طويلة.
وقال أن أثيوبيا أو “الحبشة” كما كانت تُعرف مثّلت أول ملاذ آمن للهجرة الإسلامية، وكان استقرارها جزءاً من استقرار المنطقة العربية بأكملها. وتوقف المحاضر عند رموز حبشية تركت أثراً في التاريخ الإسلامي، كأم أيمن حاضنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وبلال بن رباح الحبشي، أحد أوائل الصحابة والمبشرين بالجنة، مؤكدًا أن هؤلاء النماذج تجسد تمازجاً إنسانياً عميقاً بين الشعبين العربي والأثيوبي.
كما تطرق إلى موقف النجاشي، الملك العادل، الذي استقبل المهاجرين المسلمين في الحبشة ورفض تسليمهم إلى قريش رغم الضغوط، واحتضن الدعوة الإسلامية في بداياتها، في موقف تاريخي عُدّ من أولى تجليات العدالة العابرة للحدود والديانات.
وأوضح د. آدم أن الملك النجاشي لم يكن مجرد حاكم متسامح، بل كان عالماً بالديانات السماوية ومطلعًا على الإنجيل والتوراة، وكان على وعي بطبيعة الرسالة المحمدية، مما جعله يحتضن المهاجرين في الهجرتين الأولى والثانية، ويمنحهم الأمان.
وأشار إلى أن العلاقات الثقافية بين العرب والأثيوبيين امتدت عبر التاريخ من خلال اللغة، والدين، والتجارة، وأن الأبحاث الأكاديمية الأثيوبية في مجالات اللغة العربية والدراسات الإسلامية آخذة في الاتساع، لكنها تحتاج إلى الترجمة والتوثيق والدعم المؤسسي، داعيًا إلى تأسيس مركز بحثي متخصص في الدراسات الإسلامية والعربية في القرن الأفريقي. وعرّج المحاضر على بعض مؤلفاته، ومنها كتابه عن النجاشي ودوره في صدر الإسلام، وكتابه عن الهجرة الإسلامية إلى الحبشة، فضلًا عن إسهاماته في تأسيس دار نشر ومجلة تُعنى بالثقافة في القرن الأفريقي.
وأدار المحاضرة المؤرخ والأكاديمي د. محمد فارس الفارس، أستاذ التاريخ السابق بجامعة الإمارات، الذي أضاء على الخلفية الحضارية العريقة لأثيوبيا، مؤكداً أنها من أقدم الدول الأفريقية التي أقامت علاقات حضارية وثقافية مع شبه الجزيرة العربية منذ ما قبل الميلاد. وأشار إلى أن تعدد اللغات في أثيوبيا التي يزيد عدد سكانها عن 120 مليون نسمةلم يمنع اللغة العربية من أن تشكّل جزءاً أصيلاً من نسيجها الثقافي، سواء في النقوش والمخطوطات أو في المعاملات التجارية والدينية.
وأوضح د. فارس أن أول رسالة باللغة العربية وصلت إلى الحبشة كانت تلك التي بعث بها النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي، يدعوه فيها إلى الإسلام، مما يجعل أثيوبيا أول أرض أفريقية دخلها الإسلام طواعية وبمحبة. وأشار إلى أن المسلمين الأوائل وجدوا فيها الملاذ والكرامة، وأسّسوا لعلاقات إنسانية تجاوزت بعدها السياسي والديني.
وتحدث د. عبد الرزاق الفارس عن امتداد الإسلام في الحبشة منذ الهجرة الأولى وحتى يومنا هذا، مستعرضًا عددًا من المراجع البريطانية التي تناولت هذا الامتداد، لا سيما مؤلفات المستشرق البريطاني سبنسر ترمنجهام، التي وصفها بأنها دقيقة وتستحق الترجمة إلى العربية لتعزيز فهم هذه المرحلة المفصلية من التاريخ المشترك.
وفي ختام المحاضرة، عبّر الحضور عن إعجابهم بالمحتوى الغني والطرح العميق، وأشادوا بمبادرة ندوة الثقافة والعلوم في تنظيم هذه الفعالية التي تفتح أبواباً جديدة للحوار والتفاهم بين الثقافات، وتؤكد أن العلاقات العربية الأثيوبية ليست فقط علاقات جغرافية أو سياسية، بل روابط حضارية وإنسانية ضاربة في عمق التاريخ.