The Cultural & Scientific Association
The Cultural & Scientific Association
في تجربة فنية استثنائية تجمع بين الأسطورة واللون والتراث الإنساني، احتضنت ندوة الثقافة والعلوم في دبي معرض «أساطير أوروم» للفنانين الإماراتي عبد الرحيم سالم والتشكيلية عائشة حداد، في تظاهرة تشكيلية مثّلت أكثر من مجرد معرض ثنائي، بل شكلت جولة تأملية عبر حضارات البشرية وأساطيرها، تأخذ الزائر إلى عمق العلاقة بين الشكل والمحتوى، وبين الظل والضوء، وبين الإنسان وهويته.
وافتتح المعرض سعادة محمد أحمد المر، رئيس مجلس إدارة مكتبة محمد بن راشد آل مكتوم، بحضور سعادة أنطوان ديلكور، سفير بلجيكا لدى دولة الإمارات، وسعادة بلال البدور، رئيس مجلس إدارة ندوة الثقافة والعلوم، وسعادة علي عبيد الهاملي، نائب الرئيس، والدكتور صلاح القاسم، المدير الإداري، إضافة إلى عدد من الفنانين والمثقفين والمهتمين بالشأن الفني والتراثي.
وضم المعرض أربعين عملًا فنيًا تنوّعت بين التجريدي والتجسيدي، تحت مظلة فلسفية واحدة، استلهمت مفهوم “أوروم” وهي كلمة من اللغة النوبية تعني “الأسود” – سيد الألوان ومختصرها، الذي اختلفت الحضارات على دلالاته واجتمعت في آنٍ واحد، فحمل معاني السيادة والخصوبة والعزة، كما حمل أيضًا دلالات العوالم السفلية والموت والغموض.
وقدّم عبد الرحيم سالم، الفنان والنحات المعروف، مجموعة من اللوحات التي تحتفي بالحجر، لا كمجرد عنصر بصري، بل كرمز فلسفي يحمل دلالات مزدوجة. فالحجر كما كان أداة للقتل، كان أيضًا وسيلة للبناء والحياة. من أول حجر ألقاه الإنسان، إلى أحجار أطفال فلسطين التي ما زالت ترمز للمقاومة، وصولًا إلى الحجر الأسود الذي يحتل مكانة روحية وتاريخية فريدة. أشار سالم إلى أن بعض الحضارات، ومنها الفرعونية، استخدمت هذا اللون وهذه المادة في تشييد الخلود، فيما ينظر إليه البعض اليوم ككتلة صماء لا معنى لها، متناسيًا ثقلها الرمزي عبر الزمن.
أما الفنانة عائشة حداد، فقد شاركت بمجموعة من الأعمال التي تُعرض للمرة الأولى، مثّلت امتدادًا لبحوثها الميدانية بين عامي 2008 و2018 في مجال الفنون التراثية. وقدّمت أعمالًا تستكشف “خط الزمن الزخرفي” الذي توحدت فيه عناصر من الزخارف والنقوش من عصور ومناطق جغرافية مختلفة من العصر الحجري إلى منتصف القرن العشرين – تكرّرت بصيغ متشابهة رغم بعد المسافات وانعدام وسائل التواصل، ما يدل على أن الإنسان متصل بذاكرة جمعية تتجاوز الزمان والمكان.
في البُعد الثاني من أعمالها، قدّمت حداد سلسلة من اللوحات التجريدية المستوحاة من العمارة الطينية العربية والبيوت النوبية، مشيرة إلى التشابه العميق بين تفاصيل البناء المحلي وأسلوب الحياة في البيئات الصحراوية والزراعية، وانعكاس هذه التفاصيل على المشاعر والمخاوف والاحتياجات البشرية. وأكدت أن الفن يكشف عن أن الإنسان، أينما كان، متصل بآخر لا يعرفه، لكنه يشبهه في العمق.
ويندرج المعرض ضمن سلسلة من المعارض الثقافية التي تنظمها ندوة الثقافة والعلوم، مؤكدًا التزامها بدعم التجارب الفنية المحلية التي تحمل بعدًا إنسانيًا وجماليًا، وتسهم في بناء حوار بصري مع التراث والذاكرة والأسطورة.
ويُذكر أن اللون الأسود، الذي شكّل المحور الفني لهذا المعرض، لم يكن مجرد اختيار لوني، بل مرآة لهوية حضارية ورمز للتناقضات الكامنة في وجدان الإنسان – الخير والشر، القوة والضعف، الولادة والفناء.
ومن الجدير بالذكر أن رحلة “أوروم” التي بدأت في دبي ستنتقل إلى محطات فنية أخرى، لتأخذ معها صوت الفنان الإماراتي إلى فضاءات عالمية، وتُبرز قدرته على تحويل الأسطورة إلى لوحة، والحجر إلى سردية بصرية تنبض بالحياة.